نعيش اليوم في عالم يشهد استقطابًا حادًا وتجاوزًا لكافة الحدود التي يفرضها المنطق السليم. عندما يصل سياسيون متطرفون إلى السلطة، غالبًا ما تكون النتيجة فوضى واضطرابات، وحروبًا مدمرة. للأسف، يبدو أننا لا نتعلم من دروس التاريخ. في ظل هذه الظروف، يطرح سؤال مُلح نفسه: هل يوجد مكان آمن على كوكبنا يمكننا اللجوء إليه والنجاة بحياتنا في حال اندلاع حرب عالمية ثالثة؟
في هذه اللحظة التي أكتب فيها، ترد أنباء عن قصف إيراني لقاعدة أمريكية في قطر، وذلك ردًا على هجمات سابقة. هذا التصعيد الخطير يهدد بإشعال حرب إقليمية أوسع. بالإضافة إلى ذلك، نرى روسيا تتخذ موقفًا داعمًا لإيران، ولا ننسى بالطبع الغزو الروسي لأوكرانيا، والتصعيدات المستمرة في فلسطين المحتلة.
لم نشهد منذ أكثر من ستين عامًا مثل هذا الاحتمال القوي لنشوب صراع عالمي واسع النطاق، تحديدًا منذ أزمة الصواريخ الكوبية. فهل يوجد حقًا ملاذ آمن يمكننا الاحتماء به؟ هذا السؤال يشغل بال الكثيرين، وقد حاول عدد من الخبراء تقديم إجابات محتملة.
في الواقع، جوهر هذا السؤال يعتمد على فرضية أساسية. ففي حال اندلاع حرب نووية، يصبح الوضع كارثيًا، حيث لا يمكن لأحد النجاة من الإشعاعات النووية القاتلة، التي يمكن أن تنتشر لآلاف الكيلومترات وتُحدث تغييرات مناخية مدمرة. ببساطة، لا مكان آمن حقًا في ظل حرب نووية شاملة.
وحتى في حال عدم استخدام الأسلحة النووية، واقتصار الصراع على الأسلحة التقليدية، فإن الدول التي قد تبقى بمنأى عن الحرب غالبًا ما ترفض استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين، أو تسمح بدخول أعداد محدودة جدًا. وهذا يجعل الهجرة الجماعية بحثًا عن الأمان أمرًا صعبًا للغاية.
مع ذلك، إذا كنت تفكر في الهجرة كإجراء احترازي تحسبًا لنشوب صراع عالمي، فقد نشرت صحيفة "إيكونوميك تايمز" الهندية تقريرًا استطلعت فيه آراء عدد من الخبراء حول الدول التي قد تكون الأكثر أمانًا في حال اندلاع حرب عالمية ثالثة. دعونا نستعرض هذه الخيارات المحتملة:
أكثر الأماكن أمانًا في حال نشوب حرب عالمية
وفقًا للخبراء، تبرز بعض المناطق والدول كخيارات محتملة للنجاة في حال نشوب حرب عالمية:
القارة القطبية الجنوبية: عزلة قاسية
نظرًا لعزلتها الشديدة ومساحتها الشاسعة، تُعتبر القارة القطبية الجنوبية الخيار الأول البديهي. فهي قارة غير مأهولة ولا توجد بها أي مصالح استراتيجية واضحة لأي دولة. ومع ذلك، يجب أن نضع في الاعتبار أن الظروف المناخية في القارة القطبية الجنوبية قاسية للغاية، ولا تتوفر فيها البنية التحتية اللازمة لاستقبال ورعاية أعداد كبيرة من اللاجئين.
جنوب أفريقيا: اكتفاء ذاتي نسبي
تتميز جنوب أفريقيا بكونها دولة مكتفية ذاتيًا نسبيًا، حيث تمتلك موارد غذائية ومائية وفيرة. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر جنوب أفريقيا أبعد دولة أفريقية عن منطقة الشرق الأوسط المضطربة. ومع ذلك، يجب أن نضع في الاعتبار التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها جنوب أفريقيا، والتي قد تجعلها أقل قدرة على التعامل مع تدفق كبير من اللاجئين.
أيسلندا: جزيرة مسالمة
تُعرف أيسلندا بتاريخها الطويل في الحياد والسلام، وهي دولة جزيرة تتمتع بموقع استراتيجي معزول. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل ستتمكن أيسلندا من الحفاظ على حيادها في حال نشوب صراع عالمي واسع النطاق؟
تشيلي والأرجنتين: دولتان في أقصى الجنوب
تقع تشيلي والأرجنتين في أقصى جنوب القارة الأمريكية الجنوبية، وتتمتعان باحتياطيات غذائية وفيرة. هذا الموقع البعيد والاحتياطيات الوفيرة قد يجعلهما خيارين جذابين نسبيًا في حال نشوب حرب عالمية.
جزر نائية: ملاذات محدودة الموارد
تُعتبر الجزر النائية، مثل فيجي أو توفالو، خيارات محتملة أخرى بسبب بعدها عن مراكز الصراع. ومع ذلك، يجب أن نضع في الاعتبار أن هذه الدول صغيرة ومحدودة الموارد، وقد لا تكون قادرة على استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين.
نيوزيلندا: تضاريس وعرة
تتميز نيوزيلندا بصعوبة الوصول إليها، وتضاريسها الجبلية الوعرة تجعلها قابلة للدفاع والتخفي. هذه العوامل قد تجعلها ملاذًا آمنًا نسبيًا في حال نشوب حرب عالمية.
دول محايدة: حياد غير مضمون
إذا بحثنا عن دول أقل بعدًا، فإن أكثر الدول حيادية هي سويسرا وإندونيسيا، اللتان لا تنحازان لأحد، وتتميزان بالسلمية. ولكن خلال الحرب العالمية الثانية، تعرضت العديد من الدول المحايدة والمسالمة للغزو، لذا ليس هناك ما يضمن عدم تعرضهما للغزو.
ملخص لأهم النقاط
- ✓✓° في حال اندلاع حرب نووية، لا يوجد مكان آمن حقًا على وجه الأرض.
- ✓✓° القارة القطبية الجنوبية خيار محتمل بسبب عزلتها، ولكن ظروفها المناخية قاسية.
- ✓✓° جنوب أفريقيا تتميز باكتفائها الذاتي النسبي، ولكنها تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية.
- ✓✓° أيسلندا دولة جزيرة مسالمة، ولكن قدرتها على الحفاظ على حيادها غير مضمونة.
- ✓✓° تشيلي والأرجنتين تتمتعان بموقع بعيد واحتياطيات غذائية وفيرة.
- ✓✓° الجزر النائية خيارات محتملة، ولكنها محدودة الموارد.
- ✓✓° نيوزيلندا تتميز بصعوبة الوصول إليها وتضاريسها الوعرة.
- ✓✓° الدول المحايدة قد لا تكون قادرة على الحفاظ على حيادها في حال نشوب صراع عالمي.
في الختام، يجب أن ندرك أنه في مواجهة صراع عالمي واسع النطاق كالحرب العالمية الثالثة، لا يوجد ملجأ آمن أو متاح بشكل كامل، خاصةً في حال استخدام الأسلحة النووية. لذلك، فإن أفضل ما يمكننا فعله هو السعي بكل الوسائل الممكنة لمنع وقوع مثل هذا الصراع المدمر، والعمل على تعزيز السلام والاستقرار في عالمنا.
