في تطور يثير تساؤلات عميقة حول حدود الخصوصية، كشفت الأبحاث الحديثة عن قدرة شبكات الواي فاي المتطورة على العمل كأجهزة استشعار بشرية، مما يسمح بتحديد هوية الأفراد وتتبع تحركاتهم حتى في غياب أي جهاز إلكتروني متصل بالشبكة. هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام سيناريوهات مراقبة غير مسبوقة، مما يستدعي إعادة تقييم شاملة لمدى أمان بيئاتنا الرقمية اليومية.
- ✅ إمكانية تحديد الهوية: أظهرت دراسة من معهد كارلسروه للتكنولوجيا إمكانية التعرف على الأشخاص بدقة تقترب من 100% باستخدام تقنيات تحليل إشارات الواي فاي المرتدة.
- ✅ الاعتماد على تقنية "تشكيل الحزمة": تستغل هذه الثغرة التقنية المدمجة في معيار Wi-Fi 5 (802.11ac) وما يليه، والتي صُممت أصلاً لتعزيز الاتصال.
- ✅ الاستغلال بمعدات تجارية: يمكن تنفيذ هجوم "استدلال الهوية القائم على تشكيل الحزمة" (BFId) باستخدام أجهزة توجيه تجارية قياسية دون تعديلات معقدة.
- ✅ المراقبة دون اكتشاف: بما أن إشارات الواي فاي غير مُشفرة عادةً، فإن أي جهة لديها وصول إلى نطاق التغطية قد تجمع هذه البيانات دون أن يتم رصدها.
تعتمد الآلية المكتشفة على تحليل كيفية ارتداد وتحوّل الموجات الراديوية عند مرورها عبر الأجسام البشرية، وهي عملية تشبه إلى حد كبير مبدأ عمل أنظمة الرادار. يمكن للأنظمة المدعومة بنماذج تعلم آلي متقدمة أن تبني نماذج ثلاثية الأبعاد للبيئة الداخلية بناءً على هذا التفاعل، مما يتيح التعرف على بصمة الحركة الفريدة لكل شخص.
تفعيل تقنية المراقبة باستخدام تشكيل الحزمة
تُعد تقنية تشكيل الحزمة (Beamforming) ميزة أساسية في معيار WiFi 5 والإصدارات الأحدث، حيث تهدف إلى تركيز طاقة الإشارة اللاسلكية نحو جهاز معين لضمان استقبال أقوى وأكثر استقرارًا. لكن الباحثين نجحوا في عكس وظيفة هذه التقنية، حيث لم يعد الأمر مقتصراً على توجيه الإشارة للجهاز، بل أصبحت تُستخدم كأداة لاستقبال "صدى" الإشارة بعد تفاعلها مع المحيط البشري. هذا التحول في الاستخدام يمثل قفزة نوعية في تقنيات الاستشعار غير التلامسي.
الجانب الأكثر إثارة للقلق هو سهولة التنفيذ. فالاختبارات أثبتت أن نماذج التعلم الآلي، بمجرد تدريبها على مجموعة بيانات محددة، تستطيع التعرف على هوية المشاركين في غضون ثوانٍ قليلة، وبدقة عالية بغض النظر عن مكان وقوفهم داخل مجال التغطية. هذا يعني أن الخصوصية المكانية قد أصبحت مهددة في أي مكان يستخدم أجهزة توجيه حديثة تدعم هذه الميزات، مثل المنازل والمكاتب والأماكن العامة.
كيف تمكن الباحثون من تحديد الهوية بدقة؟
اعتمدت الدراسة على جمع بيانات الاستجابة الراديوية من 197 مشاركًا مختلفًا، وتم تدريب خوارزميات التعلم الآلي على تحليل الاختلافات الدقيقة في كيفية تشتيت وعكس موجات الواي فاي عند مرورها عبر أجساد مختلفة. هذه البصمة الراديوية الفريدة، التي تتغير بتغير الوضعية والحركة، سمحت للنظام بتمييز فرد عن آخر بدقة متناهية. هذه التقنية تتجاوز مسألة تتبع الأجهزة المتصلة (مثل الهواتف أو الحواسيب)، لتصل إلى تتبع الكيانات الحيوية نفسها.
ما هو الخطر الأكبر من هذه التقنية؟
الخطر الأكبر يكمن في إمكانية استخدام هذه الثغرة من قبل جهات تهدف إلى المراقبة السرية، سواء كانت حكومات أو جهات إجرامية، وذلك لعدم الحاجة إلى أدوات تقليدية مثل الكاميرات أو الميكروفونات. نظراً لانتشار تقنية WiFi 6 وما بعدها في معظم الأجهزة الحديثة، تصبح هذه الثغرة متاحة للتطبيق على نطاق واسع. للمزيد من التفاصيل حول أمن الشبكات اللاسلكية، يمكنكم الاطلاع على تقارير حول أحدث أساليب تشفير البيانات.
ما هي تقنية "استدلال الهوية القائم على تشكيل الحزمة" (BFId)؟
هي طريقة هجومية تستغل وظيفة "تشكيل الحزمة" المدمجة في أجهزة التوجيه الحديثة (منذ Wi-Fi 5)، حيث يتم تحليل نمط ارتداد إشارات الواي فاي لتحديد وربط الأنماط الحركية ببصمات أفراد معينين موجودين في النطاق المغطى.
هل يمكن حماية البيانات من هذا النوع من التتبع؟
حالياً، نظراً لأن البروتوكول الأساسي لإشارات الواي فاي المستخدم في هذه العملية غير مُشفر، فإن الحماية المباشرة صعبة دون تحديثات برمجية واسعة النطاق أو إيقاف تشغيل ميزة تشكيل الحزمة، وهو ما يتعارض مع تحسين أداء الشبكة.
هل تتطلب هذه العملية الوصول إلى الأجهزة المستهدفة؟
لا، لا تتطلب هذه العملية أي وصول مباشر إلى أجهزة الضحايا؛ كل ما تحتاجه الجهة المهاجمة هو القدرة على استقبال إشارات الواي فاي في المنطقة التي يتواجد فيها الهدف، واستخدام جهاز توجيه تجاري قادر على إرسال واستقبال الإشارات بالطريقة الموصوفة.
🔎 في الختام، يمثل هذا الاكتشاف تحولاً جذرياً في فهمنا لأمن الشبكات اللاسلكية، حيث أن البنية التحتية التي نعتبرها ضرورية للاتصال السلس أصبحت تمتلك قدرات استشعار غير مسبوقة. وبينما يعمل الباحثون على إيجاد حلول دفاعية، يجب على المستخدمين والشركات التنبه إلى أن مجرد وجود شبكة واي فاي قوية قد يعني وجود نظام مراقبة غير مرئي قادر على رسم خريطة لحياتنا الداخلية. يتطلب المستقبل استراتيجيات أمنية أكثر شمولية لا تقتصر على حماية البيانات المشفرة فحسب، بل تمتد لتشمل التحكم في كيفية تفاعل الموجات الراديوية مع بيئتنا المادية.

قم بالتعليق على الموضوع