وصف المدون

مبتكر مبسط

إعلان الرئيسية

في عام 2022، واجه قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين تحديين كبيرين من قبل الولايات المتحدة؛ تمثلت الصدمة الأولى في فرض قيود تصدير صارمة على الرقاقات الإلكترونية المتقدمة الضرورية لتدريب النماذج اللغوية الكبيرة، وكانت الصدمة الثانية هي الإطلاق المذهل لروبوت (ChatGPT) الذي غيّر مفاهيم الذكاء الاصطناعي. وبينما ساد الشك حول قدرة الصين على مجاراة هذا التطور، ظهرت في عامي 2024 و 2025 ساحة مختلفة تمامًا؛ حيث نجحت النماذج الصينية مفتوحة المصدر، بقيادة عمالقة مثل **DeepSeek** و **Qwen**، في تجاوز عمالقة وادي السيليكون مثل OpenAI وجوجل وأنثروبيك، ليس فقط للمنافسة، بل لإعادة صياغة المعايير العالمية.

هل يعني هذا أن الصين قد تفوقت بالفعل على الولايات المتحدة في مجال نماذج الذكاء الاصطناعي؟ أم أننا نشهد تعريفًا جديدًا للريادة لا يعتمد على مقياس الأداء وحده؟

  • ✅ شهد عام 2025 تحولاً جذرياً في هيمنة النماذج المفتوحة الأوزان (Open-weight LLMs)، حيث برزت النماذج الصينية كقوة دافعة جديدة.
  • ✅ تجاوزت عائلة نماذج (Qwen) التابعة لشركة علي بابا، نموذج (Llama) من ميتا، لتصبح الأكثر تحميلاً عالمياً عبر منصة (Hugging Face).
  • ✅ تشير البيانات إلى أن مركز ثقل الابتكار المفتوح بدأ ينتقل نحو الشرق، بعد استحواذ المطورين الصينيين على حصة أكبر من التحميلات العالمية.
  • ✅ أعادت الصين تعريف التفوق في الذكاء الاصطناعي ليركز على مرونة النشر، وكفاءة التكلفة، والانتشار المجتمعي بدلاً من الاعتماد الكلي على قوة النماذج المغلقة.
صورة توضيحية لتفوق نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية على النماذج الأمريكية عام 2025

أولاً، طفرة النماذج المفتوحة الأوزان.. من التبعية إلى الريادة:

أفاد تقرير حديث صادر عن معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي الذي يدور حول الإنسان (Stanford HAI)، بأن المنظومة الصينية أصبحت لاعباً رئيسياً في مجال النماذج اللغوية المفتوحة الأوزان (Open-weight LLMs)، مما يشكل تحدياً تقنياً وجيوسياسياً للولايات المتحدة. فبعد أن كانت المختبرات الصينية تعتمد على معمارية (Llama) لشركة ميتا كنقطة انطلاق، وصلت الآن إلى مرحلة بناء نماذج مستقلة بالكامل ذات قدرات تنافسية عالمية، مما يعكس نضجاً متسارعاً في القدرات البحثية والهندسية.

بلغ هذا التحول ذروته في سبتمبر 2025، حين تفوقت عائلة نماذج (Qwen) التابعة لشركة علي بابا على نظيرتها (Llama)، لتصبح النموذج الأكثر تحميلاً عالمياً عبر منصة (Hugging Face). وتؤكد البيانات هذا الصعود؛ فقد استحوذ المطورون الصينيون على نسبة 17.1% من إجمالي التحميلات العالمية على (Hugging Face) بين أغسطس 2024 وأغسطس 2025، متجاوزين المطورين الأمريكيين الذين كانت حصتهم 15.8%، وهذا دليل واضح على انتقال مركز ثقل الابتكار المفتوح نحو الشرق.

ثانياً؛ إعادة تعريف التفوق في الذكاء الاصطناعي:

تقليدياً، كان التفوق في الذكاء الاصطناعي يُقاس بنتائج الاختبارات المعيارية (Benchmarks) وقدرات الاستدلال المتقدم وهيمنة النماذج المغلقة. لكن تقرير ستانفورد أشار إلى تحول جذري، حيث أصبحت السيادة التقنية تُقاس بمعايير واقعية تتجاوز النظريات، وتشمل مرونة النشر، وكفاءة التكلفة، والقدرة على التكييف المحلي، والزخم الذي تحدثه في المجتمعات البرمجية. وهنا، أظهرت البراعة الصينية قدرتها على صياغة معايير نجاح جديدة، بتحويل الذكاء الاصطناعي من "منتج مغلق" إلى "منظومة عالمية" مفتوحة الآفاق، مستحقة بذلك لقب الريادة في واقع تقني جديد.

فاليوم لم يَعد السؤال المطروح في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي هو: من يمتلك النموذج الأقوى خلف الأبواب الموصدة؟ بل أصبح: من يمتلك النموذج الأكثر تحررًا وانتشارًا، وقدرة على إعادة تشكيل البنية الرقمية للعالم؟

ثالثاً؛ لماذا تراهن الصين على النماذج المفتوحة؟

يميز التقرير بوضوح بين مسارين مختلفين لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي:

1- مسار النماذج المغلقة (Closed Models):

في هذا المسار، يظل الذكاء الاصطناعي منتجاً للاستهلاك الخارجي، محاطاً بأسوار الشركات الكبرى التي تسيطر على الوصول والأداء، مثل نموذج (GPT-4) من (OpenAI). هذا النموذج لا يمكن الوصول إلى بنيته الداخلية، ويقتصر استخدامه على واجهات برمجة التطبيقات (API)، مما يفرض قيوداً صارمة على التشغيل والتحكم والتخصيص.

2- مسار النماذج المفتوحة الأوزان (Open-weight Models):

في هذا المسار، يتحول النموذج إلى أصل استراتيجي يمكن امتلاكه بالكامل، وتطويعه محلياً، وإدماجه في الأنظمة الحساسة بمرونة تامة. تمنح الشركة المطورة حرية مطلقة للمطورين، تبدأ بتحميل الأوزان وتشغيلها على بنية تحتية محلية، وصولاً إلى التعديل وإعادة التدريب دون الحاجة إلى استئذان. وتكمن العبقرية في هذا المسار في تحويل الذكاء الاصطناعي من عبء تقني وتكلفة متغيرة إلى بنية تحتية سيادية؛ فمن يمتلك أوزان النموذج يمتلك السيطرة الكاملة على بياناته ومستقبله الرقمي، بعيداً عن تقلبات السوق أو الضغوط الجيوسياسية.

رابعاً؛ كيف حققت الصين هذا التفوق؟

لم يكن التفوق الصيني وليد الصدفة، بل نتاج استراتيجية ذكية اعتمدت على أربعة محاور رئيسية أعادت صياغة المشهد:

1- تنوع الشركات المساهمة في التطوير:

لم يعد الابتكار مقتصراً على الشركات التقنية الكبرى مثل (علي بابا) Alibaba و(بايدو) Baidu، بل تشكلت جبهة جديدة تضم شركات ناشئة طموحة مثل: (Moonshot AI) و(Z.ai)، مدعومة بزخم بحثي ضخم من المختبرات الجامعية. هذا التنوع خلق بيئة خصبة لإصدار نماذج تتسم بالمرونة والقدرة العالية على المنافسة.

2- التركيز في الكفاءة:

أدت قيود الحوسبة المفروضة على الصين إلى دفع المطورين للتركيز على تطوير نماذج ذات كفاءة عالية في استهلاك الموارد الحاسوبية. لذلك، اعتمدوا على معمارية (Mixture of Experts) - المعروفة اختصاراً بـ (MoE) - التي تستهلك موارد أقل، إذ تسمح بتشغيل أجزاء محددة فقط من النموذج أثناء المعالجة. فعلى سبيل المثال، يمتلك نموذج (Qwen3) الرائد 235 مليار معلمة، لكنه ينشط 22 مليار معلمة فقط لكل وحدة إدخال، مما يجعله فائق السرعة ومنخفض التكلفة مقارنة بالنماذج الضخمة التقليدية.

3- تراخيص استخدام مرنة:

بينما تفرض النماذج الغربية شروطاً معقدة، تتبنى الصين سياسة "الأبواب المفتوحة" عبر تراخيص مرنة مثل: (MIT)، و(Apache 2.0). وقد أزالت هذه الخطوة الحواجز القانونية أمام الشركات العالمية، مما سمح بإدماج النماذج الصينية في الأنظمة التجارية بسلاسة وبدون قيود تذكر.

4- التركيز في الانتشار الواسع:

لم تنزلق الصين في فخ الصراع على النموذج الأفضل عالمياً، بل ركزت على مبدأ "الجودة الكافية للتطبيق الفعلي". وقد جعل هذا التوجه النماذج الصينية الخيار الأكثر جاذبية للشركات والمطورين الباحثين عن نتائج عملية ومستقرة. وقد أكدت بيانات منصة (Hugging Face) في سبتمبر 2025 هذا التوجه، حيث نجحت عائلة نماذج (Qwen) في تجاوز نماذج (Llama) كأكثر النماذج تحميلاً، كما أصبحت غالبية النماذج المشتقة عالمياً مبنية على نماذج صينية، في مؤشر واضح على عمق هذا الانتشار.

كما أظهرت نتائج منصات تقييم مثل: Chatbot Arena، أن النماذج الصينية المفتوحة باتت قريبة جداً من أفضل النماذج المغلقة الأمريكية، وأحياناً تتفوق على نظيراتها المفتوحة الغربية، بينما أصبح الفارق في الانتشار كبيراً. بعبارة أخرى، السباق لم يعد سباق "أفضل عقل"، بل سباق "أكثر العقول استخداماً".

خامساً؛ خريطة القوة في النماذج الصينية.. منظومة لا نموذج واحد:

لا يقتصر التقدم الصيني في الذكاء الاصطناعي على اسم (DeepSeek) فحسب، بل يقوم على منظومة واسعة من المطورين والنماذج المتخصصة التي تتكامل لتقديم طيف متنوع من القدرات التقنية. ومن أبرز هذه النماذج:

  • عائلة نماذج (Qwen) التابعة لشركة علي بابا: تُعد نماذج (Qwen) من أكثر النماذج الصينية شمولاً، حيث تدعم أكثر من 119 لغة، وتوفر قدرات متقدمة في المهام المتعددة الوسائط (Multimodal). وتُسوق كـ "نظام تشغيل للذكاء الاصطناعي" للمؤسسات والحكومات.
  • نموذج (DeepSeek-R1): هو النموذج الذي أحدث صدمة في الأسواق العالمية بكفاءته وقدرته الفائقة على التفكير المنطقي المتسلسل وحل المسائل الرياضية المعقدة.
  • نموذج (Kimi-K2) من شركة (Moonshot AI): موجه خصوصاً لمهام البرمجة والوكلاء الأذكياء (Agentic AI)، ويتميز بقدرة فائقة على التعامل مع السياقات الطويلة بكفاءة عالية، مما يجعله مناسباً لتطبيقات هندسة البرمجيات والأنظمة المعقدة.
  • نموذج (GLM-4.5) من شركة (Z.ai): يمثل نموذجاً عاماً متوازناً، يجمع بين قدرات التفكير والاستدلال، والبرمجة، والرؤية الحاسوبية، مستنداً إلى نهج تدريب قائم على خبراء متعددين.

تكشف هذه الخريطة المتنوعة أن الصين لا تراهن على نموذج واحد لفرض حضورها، بل على منظومة متكاملة قادرة على التكيف مع احتياجات الأسواق المختلفة، وتعزيز حضورها في قلب المنافسة العالمية على الذكاء الاصطناعي.

الخلاصة.. هل تفوقت الصين؟

الإجابة الأقرب للدقة هي: نعم.. ولكن بطريقتها الخاصة. فبكين لا تنظر إلى نماذج الذكاء الاصطناعي كأدوات تقنية معزولة، بل كجزء من رؤية استراتيجية واسعة تتقاطع فيها التكنولوجيا مع الاقتصاد والسياسة والدبلوماسية. ومن هذا المنطلق، تروج الصين لنماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة الأوزان كوسيلة لتحقيق قدر أكبر من "العدالة التكنولوجية" عالمياً، في مقابل ما تصفه بحواجز الابتكار التي تفرضها القيود الأمريكية والنماذج المغلقة، لتقدم نفسها كبديل عالمي شامل.

وقد بدأت هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها في دول الجنوب العالمي؛ ففي سنغافورة على سبيل المثال، اختير نموذج (Qwen3) ليكون الأساس للنموذج اللغوي الوطني للبلاد. إنها ريادة لا تُقاس فقط بجودة الأكواد، بل بمدى القدرة على إعادة صياغة المستقبل الرقمي للشعوب.

ما هو الدور الذي لعبته قيود تصدير الرقاقات الأمريكية في تحفيز الابتكار الصيني؟

أجبرت قيود تصدير الرقاقات الأمريكية الشركات والمطورين الصينيين على التركيز بشدة على الكفاءة وتطوير معمارية (MoE) لتقليل الاعتماد على الموارد الحاسوبية الضخمة، مما دفعهم نحو ابتكار نماذج مفتوحة الأوزان أكثر كفاءة في استهلاك الموارد الحاسوبية مقارنة بالنماذج الغربية التقليدية.

ما هو الفرق الجوهري بين النماذج الصينية المفتوحة ونظيراتها الأمريكية المغلقة؟

الفرق الجوهري يكمن في الملكية والتحكم؛ فالنماذج المغلقة الأمريكية تفرض قيود وصول عبر واجهات برمجية (API) وتسيطر عليها الشركات، بينما تتيح النماذج الصينية المفتوحة الأوزان للمستخدمين امتلاك الأوزان بالكامل، مما يضمن السيطرة الكاملة على البيانات والتشغيل المحلي دون قيود جيوسياسية.

ما هي أهمية اختيار سنغافورة لنموذج (Qwen3) كأساس للغتها الوطنية؟

يعكس اختيار سنغافورة لنموذج (Qwen3) اعترافاً عالمياً بجودة النماذج الصينية وقدرتها على التكيف مع الاحتياجات المحلية (دعم 119 لغة)، ويؤكد نجاح الاستراتيجية الصينية في نشر نماذجها كبدائل عالمية شاملة للنماذج المغلقة.

هل لا يزال هناك فارق كبير في الأداء بين أفضل النماذج الصينية والأمريكية؟

أشارت التقييمات الحديثة إلى أن الفارق في الأداء بين النماذج الصينية المفتوحة وأفضل النماذج المغلقة الأمريكية أصبح هامشياً جداً، بل وتتفوق النماذج الصينية أحياناً على النماذج المفتوحة الغربية، لكن الفارق الأكبر يكمن الآن في مدى الانتشار والاستخدام الفعلي.

🔎 في الختام، يمكن القول إن عام 2025 لم يشهد فقط منافسة تقنية، بل تغيراً في قواعد اللعبة نفسها؛ حيث نجحت الصين في بناء منظومة ابتكار مفتوحة وموزعة أثبتت قدرتها على التكيف والتوسع عالمياً، مما يضعها في موقع الريادة الاستراتيجية المستدامة بدلاً من مجرد التفوق المؤقت في عدد المعلمات أو قوة الأداء النظري.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

قم بالتعليق على الموضوع

إعلان وسط الموضوع

ad

إعلان أخر الموضوع

Ad
Back to top button