لسنوات طويلة، سيطر النقاش العام حول الربط المباشر بين العقل البشري والذكاء الاصطناعي بقيادة مبادرات طموحة مثل مشروع **Neuralink** لإيلون ماسك. ولكن، يبدو أن المشهد يتغير جذرياً مع ظهور منافس جديد يهدد بإعادة تعريف مجال واجهات الدماغ والحاسوب (BCIs): نظام واجهة القشرة البيولوجية (BISC). يمثل هذا النظام، وهو عبارة عن غرسة دماغية فائقة النحافة وعالية السعة، نقطة تحول محتملة، مما يثير تساؤلات جوهرية حول مدى قربنا من تحقيق اندماج سلس وموثوق بين الإدراك البشري والقدرات الحسابية للذكاء الاصطناعي.
- ✅ يتميز نظام BISC بحجمه المتناهي الصغر (3 مم مكعب)، مما يسمح بزرعه بسلاسة بين الجمجمة وسطح الدماغ دون الحاجة لأغلفة إلكترونية ضخمة.
- ✅ يوفر الجهاز قدرات نقل بيانات لاسلكية غير مسبوقة تصل إلى 100 ميجابت في الثانية، وهو ما يتجاوز التقنيات الحالية بمئات المرات.
- ✅ يمتلك BISC القدرة على العمل ثنائي الاتجاه، حيث يسجل الإشارات العصبية بدقة هائلة (أكثر من 65 ألف قطب) ويقوم بالتحفيز العصبي في آن واحد.
- ✅ يهدف التطبيق العلاجي للجهاز إلى إحداث ثورة في إدارة الأمراض العصبية المعقدة مثل الصرع، وإصابات الحبل الشوكي، واستعادة الوظائف الحركية واللفظية المفقودة.
تفوق تكنولوجي في النقل العصبي فائق السرعة
إن الدائرة المتكاملة لـ BISC، والتي لا يتجاوز حجمها 3 مم، تمثل إنجازاً هندسياً مذهلاً، حيث تتيح الانزلاق بين الجمجمة وسطح الدماغ بأقل قدر من التوغل، وفقاً لما ذكره مبتكرها، المهندس كين شيبارد من جامعة كولومبيا. هذا التصغير الجذري يلغي الحاجة إلى الأجهزة الإلكترونية الضخمة المزروعة، مما يقلل بشكل كبير من المخاطر المرتبطة بالتدخل الجراحي وردود الفعل السلبية للأنسجة الدماغية. ومع ذلك، فإن صغر الحجم يخفي وراءه قوة حوسبية هائلة: يتضمن الجهاز 65,536 قطباً كهربائياً، ويوفر 1,024 قناة للتسجيل، و16,384 قناة للتحفيز. الأهم من ذلك هو سرعة النقل اللاسلكي التي تصل إلى 100 ميجابت في الثانية، وهي سرعة تفوق أي واجهة دماغية حاسوبية لاسلكية أخرى متوفرة حالياً بمئة ضعف. هذه القدرة تمكّن من ضخ أنماط عصبية معقدة مباشرة إلى خوارزميات متقدمة للتعلم الآلي، مما يتيح فهماً وتفسيراً دقيقاً للأفكار والنوايا البشرية.
لا يقتصر دور BISC على مجرد قراءة النشاط الدماغي؛ بل يمثل قناة اتصال ثنائية الاتجاه ذات سعة عالية بين الدماغ والأنظمة الخارجية. هذا يعني أنه يجمع بين وظائف التسجيل الدقيقة والتحفيز العصبي بكفاءة لم يسبق لها مثيل في جهاز لاسلكي طفيف التوغل. هذه الميزة محورية للتطبيقات العلاجية المستقبلية، حيث يبشر الجهاز بإحداث نقلة في إدارة حالات مثل الصرع، وإصابات الحبل الشوكي، والتصلب الجانبي الضموري، والسكتات الدماغية، وحتى العمى، من خلال تسجيل النوبات فور حدوثها، واستعادة الوظائف الحركية واللفظية، بل وإعادة تنشيط الإدراك البصري عبر التحفيز القشري الموجه.
تم تطوير نظام BISC كجزء من برنامج تابع لوكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) في مجال الهندسة العصبية، وهو نتاج تعاون مكثف بين مؤسسات رائدة مثل جامعة كولومبيا، ومستشفى نيويورك-بريسبيتيريان، وجامعة ستانفورد، وجامعة بنسلفانيا. أظهرت التجارب ما قبل السريرية على القشرة الحركية والبصرية نتائج قوية، وتجري حالياً دراسات أولية على البشر خلال عمليات جراحية قصيرة للتحقق من دقة تسجيل الإشارات العصبية. ويؤكد جراح الأعصاب بريت يونجرمان أن هذا التصميم، الذي يفتقر إلى نقاط التثبيت الصلبة في الجمجمة، يقلل بشكل كبير من مخاطر تدهور الإشارات أو تلف الأنسجة، مشيراً إلى أن هذا الجهاز "قد يحدث ثورة في علاج الأمراض العصبية".
لا يقتصر تميز BISC على كونه مجرد جهاز زرع، بل هو بنية حاسوبية متكاملة مصممة خصيصاً للتعامل مع الوصلات العصبية، مزودة بمجموعة تعليمات وبرمجيات خاصة قادرة على معالجة الكميات الهائلة من البيانات العصبية. هذا يفتح الباب لإدخال نماذج الذكاء الاصطناعي مباشرة لفك تشفير الأنماط الداخلية المعقدة للدماغ. ويشير أندرياس تولياس، طبيب الأعصاب بجامعة ستانفورد، إلى أن هذا النهج يمكّن من تطوير أجهزة عصبية اصطناعية تتسم بالقدرة على التكيف، مما يفتح آفاقاً جديدة لعلاج الاضطرابات النفسية العصبية.
يبرز التباين بوضوح مع الأجهزة الأكبر حجماً والأكثر توغلاً التي طورتها شركات أخرى. فـ BISC ليس مجرد وعد مستقبلي، بل هو بنية عملية تخضع للاختبار الفعلي في غرف العمليات، تجمع بين الهندسة الدقيقة، وعلم الأعصاب المتقدم، والتعلم العميق. يختتم شيبارد بالقول: "نتجه نحو مستقبل يتفاعل فيه الدماغ والذكاء الاصطناعي بسلاسة، ليس فقط لأغراض البحث، بل لمصلحة البشرية جمعاء". وفي هذا السباق التكنولوجي المحموم، يرسخ BISC مكانته كتقنية مرشحة لإحداث النقلة النوعية، مما قد يعني نهاية هيمنة المشاريع السابقة مثل Neuralink في هذا المجال الحيوي.
ما هي الميزة الأساسية التي يقدمها نظام BISC مقارنة بالواجهات الدماغية السابقة؟
الميزة الأساسية هي الجمع بين الحجم المتناهي الصغر (قابلية زرع فائقة)، والقدرة الهائلة على نقل البيانات لاسلكياً (100 ميجابت/ثانية)، والعمل ثنائي الاتجاه (تسجيل وتحفيز متزامن) بأقل قدر من التوغل، مما يقلل من التدهور النسيجي والمخاطر الجراحية.
كيف يساهم نظام BISC في معالجة الأمراض العصبية؟
يساهم BISC في المعالجة عبر تمكين المراقبة الدقيقة في الوقت الفعلي للنوبات العصبية (مثل الصرع)، واستعادة الوظائف المفقودة (الحركية أو البصرية) من خلال التحفيز العصبي الموجه بدقة عالية، مما يجعله أداة علاجية فعالة للاضطرابات العميقة.
ما هو دور وكالة DARPA في تطوير هذا النظام؟
لعبت وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) دوراً محورياً من خلال تمويل ودعم برنامج الهندسة العصبية الذي أثمر عن تطوير نظام BISC، مما يشير إلى أهمية هذه التقنية على المستوى الاستراتيجي والعلمي.
ما مدى جاهزية نظام BISC للاستخدام السريري البشري؟
أظهرت التجارب ما قبل السريرية نتائج واعدة، وتجري حالياً دراسات أولية على البشر خلال عمليات جراحية قصيرة للتحقق من قدرة الجهاز على تسجيل الإشارات العصبية بدقة عالية في البيئة البشرية الفعلية.
كيف يدعم الذكاء الاصطناعي عمل غرسة BISC؟
يعتمد BISC على الذكاء الاصطناعي (التعلم الآلي) لمعالجة الكميات الهائلة من البيانات العصبية التي يلتقطها، مما يتيح له فك تشفير الأنماط المعقدة للأفكار والنوايا العصبية وتطوير أجهزة عصبية اصطناعية قابلة للتكيف.
🔎 في الختام، يمثل نظام BISC قفزة نوعية تتجاوز مجرد تحديث التقنيات السابقة، إذ يضع معياراً جديداً للاندماج بين البيولوجيا والآلة من خلال هندسة فائقة الدقة وقدرات حوسبية غير مسبوقة. هذا التطور لا يهدد فقط مكانة المشاريع الرائدة، بل يفتح الباب أمام عصر جديد من العلاجات العصبية المخصصة والفعالة، مما يجسد الرؤية الطموحة لربط العقل البشري بالذكاء الاصطناعي بطريقة عملية ومستدامة.
قم بالتعليق على الموضوع